السبت، 7 يوليو 2012

عالم الاحلام

وعالم الأحلام عالم مستقل استقلالية تامة..نعم هو له علاقة كبيرة بعالم الواقع ولكنه يتميز بقوانينه ورموزه التي تجعله قائما بذاته.
وأبسط ما يميز عالم الأحلام ويجعله مختلفا اختلافا جذريا عن عالم الواقع هو عدم سريان قوانين الزمان والمكان على الأحلام..
حيث تذوب كل السنين والمسافات في بوتقة الحلم..
وبمعنى أوضح..فإن بإمكاننا أن نحلم في دقائق معدودة بأحداث امتدت على مدى عشرات السنين وفي أماكن مختلفة ومتباعدة..
(الأحلام صمام أمان الصحة النفسية)
حقيقة علمية يؤكدها الأطباء النفسيون والعصبيون..
فعبر الأحلام يفرغ العقل الباطن رغباتنا المكبوتة فلا نختنق بها..
وقد جذبت ظاهرة الأحلام اهتمام العلماء والمفسرين على حد سواء عبر عصور التاريخ..وعلى الرغم من تباين الآراء حول تفسير هذه الظاهرة إلا أنها ظلت ظاهرة معقدة على الفهم والتأويل..فلم يستطع العلم الحديث الوصول إلى جوهرها ولا الإجابة على الكثير فيما يتعلق بتكوين الأحلام ومعانيها..

تفسير الاحلام عند الفراعنة

الاحلام عبر التاريخ
بردية شستر الفرعونية في تفسير الأحلام
وباستعراض التاريخ..نجد أن بعض قبائل الإسكيمو كانت تعتقد أن الروح تترك الجسم أثناء النوم وتعيش في عالم آخر خاص بها وأن إيقاظ الحالم من نومه يسبب خطرا كبيرا إذ يهدد بضياع روحه وعدم قدرتها على العودة إلى جسده مرة أخرى..
أما في الهند فقد وصل الأمر إلى أن بعض القبائل الهندية القديمة -التي كان لديها نفس الاعتقاد- كانت تعاقب بشدة كل من يوقظ نائما..
أما في مصر الفرعونية فقد كان المصريون القدماء هم أول من أعتقد بأن الأحلام إيحاء مقدس وكانوا يسمونها الرسل الغامضة إلى النائم للإنذار بالعقاب أو المواساة والتعزية والتبصير..
وقد وجدت بعض البرديات منها بردية شستر بيتي - نسبة إلى مكتشفها - من عهد الأسرة الثانية عشرة وبها تفسيرات للأحلام ومعناها..
وتعد تلك أول محاولة من نوعها في التاريخ لتفسير الأحلام..
أما عند الإغريق فيذكر هيرودوت أن بلاد الإغريق كانت تحتوي في وقت من الأوقات على حوالي 600 معبدا مخصصا للأحلام وتلمس الشفاء عن طريقها

كيف نحلم؟ 



 تم إخضاع الأحلام إلى دراسات علمية ومعملية لكشف الغموض الذي يحيط بكيفية وأسباب حدوثها أثناء النوم.. وفي بعض هذه التجارب تم متابعة أشخاص من المرضى والأصحاء أثناء النوم مع توصيل أقطاب ترصد نشاط المخ والجهاز العصبي خلال مراحل النوم المختلفة على مدى ليلة كاملة أو أكثر..
وقد تبين أن الأحلام تحدث خلال مرحلة تسمى) حركة العين السريعة (REM)(Rapid eye movement ويميز هذه المرحلة زيادة ضربات القلب وارتعاش الأنامل وزيادة سرعة تنفس النائم ونشاط دماغه..وتستمر لمدة 10 دقائق تقريبا وتتكرر كل 90 دقيقة..
وربما هذا الذي يجعلنا نرى في نومنا أحلاما كثيرة..فإذا استيقظنا لا نتذكر منها إلا آخر الأحلام..
وفي خلال هذه المرحلة تجول العين تحت الجفن ويحدث ما يسمى بارتخاء العضلات..
وتشير عدة دراسات أجريت بجامعة شيكاغو إلى أن الأحلام تختلف في الطول وقد تبقى لمدة ساعة..
بعكس الآراء القديمة لبعض علماء النفس التي كانت ترى أن الأحلام دائما قصيرة..
والأحلام أيضا تتأثر بالبيئة المحيطة وما نشاهده أثناء اليقظة..
يقول إريك شيفيتزجيبل أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا أن مسحا أجرى في الخمسينيات -وهو العصر الذهبي لأفلام الأبيض والأسود- أثبت أن غالبية الذين عاشوا في تلك الفترة كانوا يشاهدون أحلاما خالية من الألوان!!
غير أنه بعد تلك الفترة وبظهور الأفلام الملونة قال آخرون في استطلاعات الرأي أنهم يشاهدون أحلاما ملونة!!
وتختلف الأحلام باختلاف العمر والجنس وطبيعة الحياة التي يعيشها الإنسان..
فعادة يحلم الطالب بتأخره عن موعد الامتحان..أو أنه يجلس في قاعة الامتحان ولا يجد قلما أو مكانا له..
وقد يرى الفرد أحلاما لها علاقة بالمثيرات الخارجية كطرق الباب أو صوت جرس الهاتف أو بكاء طفل إلا أنه يراها بشكل مغاير بعض الشيء..
فعلى سبيل المثال رش الماء على وجه النائم يجعله يحلم بأنه واقف تحت خرطوم الماء أو تحت الشلال!!
ويسميها العلماء (تداخل المؤثرات الخارجية مع أحداث الحلم)

شلل النوم (الجاثوم)
.................................................

الجاثوم .. شلل النوم
كما ذكرنا سابقا فإن مرحلة الأحلام أو كما يسمونها مرحلة حركة العين السريعة يحدث خلالها ارتخاء للعضلات..
لهذا تجدر الإشارة إلى ظاهرة قد يكون مر بها الكثيرون وهي (شلل النوم)..
وهي تجربة مرعبة بحق..حيث يفيق البعض ليشعر باقتراب الموت وخروج روحه من جسده، والبعض الآخر يعتقد أن جنيا يضغط على صدره..
ويفسر العلماء ذلك بأن آلية ارتخاء العضلات تضمن لك بقاءك في سريرك أثناء مرحلة الحلم..وتنتهي هذه الآلية بمجرد انتقالك إلى مرحلة أخرى من مراحل النوم وفي بعض الأحيان يستيقظ الإنسان خلال مرحلة حركة العين السريعة في حين أن آلية ارتخاء العضلات لم تكن قد توقفت بعد..وينتج عن ذلك أن يكون الإنسان في كامل وعيه فيعي ما حوله..ولكنه لا يستطيع الحركة بتاتا..
وبما أن الدماغ كان في طور الحلم فإن ذلك قد يؤدي إلى هلاوس مرعبة وشعور المريض باقتراب الموت أو ما شابه ذلك

أحلام اليقظة:
....................

ومن الحالات المرتبطة بالأحلام ما يطلق عليه أحلام اليقظة ومن خلال التسمية يتضح أنها حالة تشبه الحلم لكنها لا تحدث أثناء النوم..حيث إن الشخص ينفصل عن الواقع إلى حالة من التخيل تشبه الحلم يتصور نفسه وقد حقق الكثير من الإنجازات..أو يتخيل أنه يتقمص أحد الشخصيات المرموقة ويعيش في هذا الجو منفصلا عن الواقع والظروف المحيطة لفترات متفاوتة..
والمشكلة هنا أن هذه الحالة تعوق الشخص عن أداء مسئولياته حيث تضيع فيها طاقاته ووقته وتحدث هذه الحالة بصفة متكررة في الطلاب الذين يستعدون للامتحان وفى المراهقين والشباب

الأحلام المستقبلية وظاهرة ديجا فو (Deja-vu):
................................................................

ديجافو .. ظاهرة الاحلام المستقبلية
بالتأكيد حدث هذا للعديد منا من قبل..
تمر بموقف ما..من ثم في جزء من الثانية يرتجف جسدك انفعالا وتصرخ:
لقد مررت بنفس الموقف من قبل..بالتحديد رأيته في أحلامي كما هو..
ومنا من لا تتعدى صرخته أعماقه..ومنا من يجاهر بها..
وفي كل الأحوال يكون لدينا يقين تام بأن أحلامنا تتحقق في المستقبل بحذافيرها..ونتيقن من أننا من أصحاب الكرامات..
فما هو تفسير تلك الظاهرة..وهل هي مقصورة على البعض دون الآخرين؟؟..
المحللون النفسيون يطلقون على تلك الظاهرة اسم (ديجا فو)..وهي ترجمة حرفية بالفرنسية لجملة (شوهد من قبل)..
وهم يرون في الديجا فو تعبيرا عن رغبة قوية لتكرار تجربة ماضية..
أما الأطباء فيفسرونها على أنها حدوث عدم مطابقة ( mismatching ) في الدماغ يتسبب في جعل الدماغ يخلط بين الإحساس بالحاضر والماضي..
أما علماء ما وراء الطبيعة فيعتقدون أن الديجا فو تتعلق بخبرة حياتية ماضية عشناها قبل قدومنا إلى الدنيا في ذواتنا الحالية..وتلك ظاهرة أخرى تعرف بتجربة ما قبل الولادة BBE(Before Birth Experience ).. وعلى الرغم من التقدم العلمي على جميع الأصعدة الطبية إلا أن الغموض لا زال يكتنف ظاهرة ديجا فو رغم النظريات التي حاولت تعليلها إلا أن أيا منها لا يمكن البت به بشكل قاطع..
والمثير أكثر أن هناك ظاهرة معاكسة للديجا فو وتسمى بالـ Jamais Vu (لم يشاهد من قبل أبدا) وهي الإحساس بأن المألوف غريب وجديد وكأنه يصادف لأول مرة وأيضا لا يدوم هذا الإحساس إلا لجزء من الثانية .كأن تجلس مع أحد أصدقائك أو أفراد عائلتك ولوهلة تشعر وكأنك لم تره من قبل وكأنه شخص غريب..
وقد وضعت عدة نظريات لتفسير ظاهرة الديجا فو أهمها:
نظرية الأحلام:
ومفادها أن ما نمر به من أحدث نشعر وكأنها مكررة أو صورة أخرى من موقف مضى ما هو إلا نسخة لحلم قد حلمناه مسبقا ولكننا نسيناه ولم نتذكره..وحين يحدث نفس الموقف في حياتنا العملية نتذكر أننا قد مررنا بنفس هذا الموقف أو المشهد من قبل..
فنحن نحلم بصورة يومية تقريبا لـكن بطبع الإنسان ننسى أغلبها ومعظم تفاصيلها..لذلك يعمد البعض لتدوين أحلامهم في مذكرات أولا بأول..
كما يؤكد بعض العلماء أنه يحدث أحيانا أثناء النوم أن يمر الإنسان بمراحل شفافة للوعي وللروح ولاستقبال الرسائل الكونية أي أنه يحلم بأجزاء من حياته أو مستقبله كما يحدث في الرؤية الصادقة..
فالنوم هو مفارقة النفس للجسد مفارقة جزئية..وعندها تفارق النفس الجسد وتسبح في الفضاء تلتقي مع نفوس أخرى ربما يكون أصحابها على قيد الحياة وربما يكون مضى وقت طويل على وفاتهم..
يخيل ألينا بأننا رأينا المشهد من قبل
ومن هنا يأتي تفسير منطقي للاتصال بين أناس على قيد الحياة وآخرون مضى على وفاتهم وقت طويل..
ومن خلال ذلك يأتي تفسير منطقي آخر لظاهرة استحضار الماضي واستقراء المستقبل..
وتلتقي تلك النفوس مع بعضها فيما يسمى بالبرزخ وهناك يحدث بين الأرواح مالا ندركه بعقولنا الظاهرة..ولا نستطيع تذكر شيء منه في حال يقظتنا ولكن ربما يحدث بالصدفة أن نسمع قولا أو نشاهد مشهدا يخيل إلينا أننا رأيناه من قبل..
بل وتتفق الرؤى نفسها لدى أكثر من واحد من المشتركين في نفس المشهد أو الموقف..
بل إن بعض العلماء يقولون إن الإنسان كان قبل أن يخلق في عالم يسمى (بعالم الذر) أو عالم الأرواح..وفي هذا العالم جرت له العديد من الأحداث والوقائع المشابهة والمطابقة لما يحدث له على الأرض..حتى تكون الأحداث متماثلة إلى درجة التطابق..
ويرى بعضهم أن الحياة الدنيا ما هي إلا نسخة لتلك الحياة وهي محاولة ثانية أعطيت للإنسان ليمارس فيها مفهوم التقرب إلى الله والعبادة مرة أخرى..
لذلك فعندما نمر بحدث أو واقعة ما ونشعر بأننا قد مررنا بها قبل ذلك فهذا عملية تذكر للحياة التي عشناها في عالم الذر أو عالم الأرواح..
ويرى البعض أن الإنسان تعرض عليه مسيرة حياته قبل أن يخلق في الحياة عند الله ثم تنفخ فيه الروح في بطن أمه ومن ثم قد يتكرر مشهد (ديجا فو) من العقل الباطن أو من الذاكرة السابقة في الحياة الأولى..
وهذا يتفق مع المنظور الإسلامي..
يقول تعالى في كتابه الكريم:
(ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا)
وهذا أيضا تقرير بصدق الرؤى المستقبلية..
فالأحلام التي تحمل نبوءة للمستقبل قد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام فكانت رؤياه وهو صغير السن حول ما تحقق فيما بعد مع أبويه وإخوته ثم حلم الملك بالبقرات السمان والبقرات العجاف الذي تم تفسيره كإنذار مبكر..وتم التخطيط على أساس ذلك قبل أن يتحقق حرفيا على مدى سنوات تالية..وفي القرآن الكريم أيضا رؤيا إبراهيم عليه السلام يذبح ولده إسماعيل عليه السلام..
ولكن هل كل ما شوهد من قبل شوهد في الأحلام حقا؟؟..
بالواقع لا..ولذلك كانت هناك نظريات أخرى لتفسير ظاهرة ديجا فو أذكر منها:
1-نظرية مراكز الذاكرة في الدماغ:
ومفادها أن المخ عبارة عن مناطق وكل منطقة مسئولة عن وظيفة فمثلا الرؤية تكون في مؤخرة الرأس والسمع على الجوانب وهكذا..
وما يحدث أنك عندما ترى شيئا يترجمه الجزء الخاص بالرؤية Visual Center ووظيفته تنحصر في ترجمة الإشارات إلى صورة فقط أما فهم هذه الصورة واستيعابها أو تذكرها إذا كانت مألوفة يكون في جزء آخر يسمى Cognitive Center في هذه الظاهرة يحدث في بعض الأحيان تأخر بين العمليتين بجزء من الثانية تدخل فيها الصورة إلى مركز الذاكرة قبل الـ Cognitive Center..ثم تذهب الصورة إليه لاحقا فيظن المخ أنه رآها من قبل..
وتحليل آخر يرجع هذا الأمر إلى أن تواجدك في هذا المكان أو الموقف يترجم الأحداث إلى إشارات في الأعصاب فترسل الأعصاب هذه الإشارات إلى مركز الذاكرة القصيرة (Short Memory) ليتم حفظها هناك وتكون هذه العملية سريعة جدا (أقل من جزء من الثانية)..ولكن يحدث في بعض الأحيان أن ترسل الأعصاب نفس الإشارات إلى مركز الذاكرة الطويلة (long memory) بالخطأ..فنشعر بان هذا الموقف قد مرنا بنا من قبل..
وللعلم مركز الذاكرة الطويلة هو المكان الذي تحفظ فيه الأحداث القديمة التي يمكن استرجاعها مع الزمن .
2- نظرية نصفي الكرة المخية
جميعنا يعلم أن الدماغ مكون من فصين أو جزأين..أحد هذه الأجزاء متقدم قليلا أو بارز قليلا عن الآخر..وعند استقبال المخ لأي إشارة أو صورة.. يستقبلها الفصين معا.. لكن في بعض الأحيان.. يستقبل ذلك الجزء البارز أو المتقدم الصورة قبل الأخر بجزء من الثانية.. ثم ترسل للجزء الأخر الذي به يتم الاستيعاب الكامل لكل ما نستقبله من صور وأصوات وإشارات ضوئية وغيرها..فعندما يستوعب المرء المكان أو الصورة التي أمامه..يشعر أنه قد رآها سابقا..
ولكن الصحيح أنه قد خزنها في الذاكرة القصيرة قبل أن يتم استيعابها كاملا..
3-نظرية الباراسيكولوجي:
يقول علماء تفسير الظواهر الخارقة أن الديجا فو هي جزء من الحاسة السادسة..
ذلك أن عقل الإنسان استطاع الوصول إلى توقع حدوث الحدث بصورته قبل وقوعه بأجزاء من الثانية..وعندما وقع الحدث بالفعل بدا وكأن الإنسان قد مر به من قبل..فالعقل الباطن يكون قد سجل معلومات في فترة قريبة مع العقل الواعي..لذا يتوهم الإنسان أنه مر بذات الحدث من قبل

دور الأحلام في إلهام العلماء:
...........................................

جيمس وات .. قاده الحلم الى الأختراع
لم تقتصر وظيفة الأحلام على إخـبار أو تحذير الحالم أو عتابه أو غير ذلك من الرسائل ولكنها نبهت العلماء إلى أفكار عديدة ساعدت في اكتشافات و أوحت باختراعات فمثلا:
*إلياس هاو مخترع ماكينة الخياطة في القرن الثامن عشر يقول:
حلمت ذات ليلة بأشخاص يرمون رماحا ولكل رمح فتحة في أعـلاه على شكل عين..
وقد أوحى لي ذلك بالمكان المناسب لوجود الفتحة في إبرة الخياطة أثناء تصميمي لماكينة الخياطة..
*أما جيمس وات مكتشف ما يسمى: محمل الكريات-وهو إطار يستخدم في الميكانيكا يحمل داخله كريات من الرصاص-فقد جاءته فكرة هذا الاكتشاف بعد أن رأى في المنام أنه يسير تحت أمطار ثقيلة من كريات الرصاص..وعندما بحث هذا الأمر بالتجربة وجد أن الرصاص المنصهر إذا سقط من ارتفاع كبير يمكن أن يتحول بالفعل إلى أجسام صلبة دائرية أو كرات صغيرة
...................................................................................
وهكذا عرفنا آلية حدوث الأحلام علميا..
فماذا عن تفسير الأحلام؟؟..
بالأحرى..
ما هو الهدف من الأحلام؟؟
وما هي أهميتها؟؟
اقرءوا ما يلي..
الناس يختلفون في أحلامهم..
فمن الناس من يحب الحديث عن أحلامه..ومنهم من لديه خوف منها أو مما تدل عليه
فالفئة الأولى تسعى حثيثا لفك رموز أحلامهم وما تنطوي عليه من دلالات وإرشادات وحقائق..
أما الفئة الأخرى فيهربون من هذه الأحلام ويفضلون نسيانها أو على الأقل تناسيها..
لكن يبقى للأحلام حضورها في واقعنا ولا أدل على ذلك من تعلق الكثيرين بمفسري الأحلام ومعبري الرؤى
الذين وهبهم الله تعالى هذه الموهبة..
وهؤلاء المفسرون اختلف فيهم الحال..
فمنهم من يرى أن تفسير الأحلام إلهام من الله تعالى يضعه في البعض دون الآخرين..فهي هبة لا يد للإنسان فيها..
وفي المقابل نجد آخرين يرون وبقوة أن تفسير الأحلام هو فراسة وذكاء حاد أكثر من كونه إلهاما..
والأقرب أن نقول إن تفسير الأحلام فراسة حادة وقدرة على الربط بين الرموز وترتيب الأحداث بسرعة عجيبة.. بالإضافة إلى كونه إلهاما أيضا..
حيث إننا لا نرى في بعض الأحيان أي علاقة بين صور المنام وأحداثه وبين التفسير..
وكلنا يعرف القصة التي حصلت مع ابن سيرين رحمه الله حين أتاه رجل صالح فقال له:
إني رأيت في المنام أني أؤذن
قال له ابن سيرين:
أبشر فستحج بإذن الله في عامك هذا..
واتاه رجل فاسق وقال له:
إني رأيت في المنام أني أؤذن
قال:
أنت سارق فاتق الله ورد ما سرقته..
فسئل عن الفرق بين التعبيرين مع أن الرؤيا واحدة فقال:
أما الأول فهو رجل صالح وحاله تماثل قول الله تعالى:(وأذن بالناس في الحج يأتوك رجالا)
والثاني فاسق وحاله تماثل قول الله تعالى:(ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون)
إذن فتعبير الرؤى منها ما يكون إلهاما من الله وقذفا في قلب المعبر..ومنها ما يكون فراسة وذكاء حادا..
ولهذا نجد معبرون للرؤى من غير المسلمين مثل فرويد وميلر وغيرهما كثير جدا..
وينبغي أيضا أن نعلم أنه ليس كل تعبير يقع كما يخبر المعبر..
فقد يقع بالفعل كما قال المعبر..وأيضا قد يخطئ المعبر..
وكلنا يعلم أن أبا بكر رضي الله عنه كان معبرا عظيما ومع هذا حفظت كتب السيرة والتاريخ انه اخطأ رضي الله عنه في تعبير بعض الرؤى..
ولكن هناك من المعبرين من يكون قليل الخطأ فأغلب تعبيره يقع كما قال وهذا لا يوفق إليه إلا القليل من البشر مثل ابن سيرين رحمه الله..
ومنهم أيضا من يكون قليل الموافقة للحقيقة..
ومنهم من يعطي تعبيرا مفصلا لأحداث الحلم بل وأحيانا يحدد الأيام والوقت بدقة متناهية..
وممن كان مشتهرا بذلك أبو بكر رضي الله عنه..فقد كان يحدد رضي الله عنه أحداث الحلم..
ومن المعبرين أيضا من يرى أن الحلم يفسر ظاهرة ويكتفي بالاختصار..
ولا شك أن الصنف الأول أقرب إلى الحق خاصة إذا كان كثير الصدق وعرف عنه أنه قليل الخطأ..
بقي أن نعرف أن من أوتي موهبة تفسير الأحلام لا يعني ذلك أبدا أنه أفضل أو أذكى من غيره من الذين لم يؤتوا هذه الموهبة..إنه باختصار توفيق من الله..
فمثلا أويس القرني وهو أحد التابعين كان أفضل من ابن سيرين رحمهما الله في تعبير الرؤى..
ومع هذا فلم يذكر عن أحد أنه فضل ابن سيرين على أويس أو العكس..
وهناك أيضا مسروق وسعيد بن المسيب..وكلهم أفاضل..
فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم..

أنواع الرؤى:
....................

قسم العلماء الرؤى إلى ثلاثة أقسام :
أولا: الرؤيا الصادقة:
الرؤيا الصادقة هي وحي وإلهام من الله فلا علاقة لها بتخييلات الشيطان ولا وسوسته..ولا هي أيضا من أخلاط العقل البشري ولا من تأثيرات العقل الباطن..ولا من أحداث اليوم والليلة مما يهتم له الإنسان في يقظته فيراه في منامه-مما يسمى بحديث النفس-
واختلف العلماء قديما وحديثا في كيفية خلق الرؤيا في الإنسان وهل هي في العقل أم القلب؟
والصحيح أن للرؤيا ملكا يخلق في قلب الإنسان اعتقادات من جنس ما يشاهد في الواقع..فيترجمها العقل إلى إشارات رمزية..
وهي تنقسم بدورها إلى قسمين:
1-الرؤيا الصادقة الظاهرة
2-الرؤيا الصادقة الرمزية
الرؤيا الصادقة الظاهرة هي التي لا تحتاج إلى فك رموز ولا تحليل لأحداث الحلم بل تفسيرها هو وقوعها كما هي..
وعلامتها أنها لا تشتمل على الرموز التي تشاهد في الأحلام عموما..
إذ إن الرمز هو الفيصل في عالم الأحلام..
وفي كتب التاريخ وأحاديث السلف مئات الرؤى من هذا النوع..
أما الرؤيا الصادقة الرمزية فهي التي تشتمل على رموز كثيرة من خلال فكها وتحليلها والربط بينها يصل المعبر إلى تفسيرها..
فالمعبر لم يسمى معبرا إلا لأنه يعبر بالرؤيا من ظاهرها إلى باطنها ومن هنا تتجلى مهارة المعبر..
ثانيا:أضغاث الأحلام (حديث النفس):
وهي المواقف التي تشغل عقل وقلب الإنسان فإذا أمسى رآها في منامه..
وهي أيضا المشاهدات التي تنبع من العقل الباطن وما يحتفظ به المرء من أفكار..وتظهر في المنام على شكل صور وأصوات
وأصعب شيء على المعبر هو القدرة على التفريق بين النوع الثاني من الرؤيا الصادقة وهو الرؤيا الصادقة الرمزية وبين أضغاث الأحلام..فبينهما شبه كبير..
لكن الرؤيا الصادقة لها دلالاتها والأضغاث لها دلالاتها..
الأولى دلالاتها حلمية..والثانية دلالاتها نفسية..
بمعنى أن الأضغاث من خلالها يتعرف المعبر على شخصية الحالم ونفسيته وأفكاره لكن الحلم لا يحتوي على رؤى ذات دلالات مقصودة عكس الرؤيا الصادقة الرمزية
النوع الثالث:الكابوس:
الكابوس .. أحلام مخيفة
وهو من الشيطان..حيث يتلاعب الشيطان بالإنسان فيصور له مشاهد وصور وأصوات مفزعة لا تحمل معها أي دلالة سوى التخويف.. وعلى مستوى الطب النفسي أجمع الأطباء على تكرار مثل تلك الكوابيس بصورة يومية مع مرضى القلق والاكتئاب والفصام فتتحول ساعات النوم عندهم إلى عذاب مضني ومستمر..ويصحو المريض وهو في أسوأ حالاته النفسية..
هذا فضلا عن مرضى الفصام خصوصا..حيث تتركز كوابيسهم في مطاردة الأشباح لهم..وقد يحدث هذا في يقظتهم أيضا..
وهنا يتجلى الفارق بين الأحلام والكوابيس..
حيث إن الأحلام تنفيس عن الكبت الداخلي وتنشيط للعقل أثناء النوم..

والآن..كيف نتصرف مع أحلامنا؟؟..
الرؤيا الصادقة بنوعيها ينبغي أن تحمد الله عليها ولا تخبر بها إلا عالما بالتأويل أو إنسانا تثق به حتى لا يحسدك أو يضرك بتفسير خاطئ..
أما إذا رأيت كابوسا فلا تخبر بها أحدا ولتستعذ بالله من شرها بأن تنفث على يسارك ثلاثا حال صحوك..

مناهج تأويل الرؤى:
............................

عندما نتأمل مناهج تأويل الرؤى أو النظريات التي يتم الاعتماد عليها في التأويل فإننا سنجد ثلاثة مناهج بارزة في عالم التأويل وهي:
1-المنهج الميتاسيكولوجي:
أي المنهج الذي يعتمد في تفسير الأحلام على أمور لا علاقة لها بعلم النفس المعتاد التقليدي وهذا المنهج له فرعان
أ:التفسير الرمزي
ب:التفسير الشعبي
التفسير الرمزي هو الذي ينظر ويتأمل المحتوى الظاهر للحلم في مجموعه ويعمل على أن يستبدله بمحتوى آخر معقول ومماثل للمحتوى الأول من بعض الوجوه..
ومن أمثلة هذا المنهج ما جاء في سورة يوسف من تفسيره عليه السلام لرؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات سمان تأكلهن سبع عجاف..حيث كان ذلك بديلا رمزيا لنبوءة تنبئ بسبع سنين من المجاعة في أرض مصر تأكل فائض السنوات السبع الوافرة السابقة لها..
هذا الحلم تم تفسيره وفق منهج التفسير الرمزي المستقبلي والعلماء يقولون:
إن نجاح التفسير عن طريق المنهج الرمزي مرهون بالفراسة والذكاء الحاد والفطنة..
ومن يعتمد على هذا المنهج هو الذي يقول إن تفسير الأحلام يعتمد على الفراسة لا على الإلهام
أما التفسير الشعبي ويسمى التفسير بالشفرة وطريقته أنه يعالج الرؤيا وكأنها ضرب من ضروب الكتابة بالشفرة..
فكل علامة أو إشارة من إشارات الحلم يحاول المعبر أن يحولها إلى علامات وإشارات معروفة المعنى وفق منهج محدد..
وممن اهتم بهذا المنهج العالم (أرتيميدوروس)..
ونجاح هذا المنهج مرهون بالمعبر وقدرته على الوصول إلى الشفرة الصحيحة الموافقة..وعلى هذا تكون الأخطاء في هذا المنهج كثيرة..لذلك فلم يعرف عند المسلمين تعبير الرؤى باستخدام هذا النوع..
2-المنهج السيكولوجي(النفسي):
فرويد .. رائد مدرسة التحليل النفسي
هو تفسير الأحلام وفق المنهج النفسي.. وقد اشتهر بتفسير الأحلام بهذه الطريقة أبو الطب النفسي (فرويد)..وقدم لنا كتابه (الأحلام) الذي يقول في مقدمته:
(انعكاسات أماني الشخص ومخاوفه في العقل الباطن تكون مستقرة ما دام متيقظا وعقله الواعي يراقبها فإذا نام وغفل العقل الواعي تنبه العقل الباطن فعبر عن هذه الرغبات وهذه المخاوف بطريقته إما صراحة أو عن طريق الرمز والإشارة)
ومن يعبر الأحلام من خلال هذا المنهج فإنه يستطيع من خلال الحلم الوصول إلى تحليل كامل لشخصية الحالم ونفسيته..
فيعلم تماما الأمور التي تسبب له إزعاجا وكذلك الأمور التي تسهم في إسعاده..
لكن هذا المنهج لا يسمى ما يقوم به تعبيرا بمعنى التعبير..بل هو معالجة وتفسير لما يسمى بحديث النفس الذي ينبع من العقل الباطن..أما الرؤى الفعلية فلا سبيل إلى تعبيرها عن طريق هذا المنهج
3-المنهج التعليلي:
أي أن الأحلام تحدث لعلة وسبب ولها غاية ونتيجة وهذا المنهج انقسم بدوره إلى قسمين
أ-التعليل الإيحائي:
بمعنى أن الحلم قد يكون دافعا إلى العمل والجد..
فمثلا يرى الموظف أن مديره يطلب منه أن يجتهد في عمله حتى تتم ترقيته مما يدفع به في اليقظة إلى أن يجد ويجتهد..
فهذا النوع من الأحلام يعتمد على فكرة أن الحلم يحمل رسالة تنبيه للحالم باتخاذ أمور وعمل أشياء هي في صالحه
ب-التعليل الاستنباطي:
ولهذا النوع طريقتان
الأولى :طريقة ابن القيم رحمه الله
الثانية:طريقة ابن سيرين رحمه الله
طريقة ابن القيم رحمه الله تتمثل في الاستدلال على النظير بالنظير والعبور من ظاهر الرؤيا إلى باطنها باستعمال الألفاظ والصور التي وردت فيها في معانيها المجازية والاستعارية
ويوجد لهذه الطريقة أكثر من مائة مثال أكتفي فقط بأربعة منها حتى يفهم المراد..
المثال الأول:الثياب تعبر بالدين
فرؤيا الثياب وما كان فيها من قصر أو طول يرمز به للدين فإن كان الثوب طويلا ساترا فدين الإنسان قوي والعكس صحيح..وهذا مثال فقط ولا يؤخذ كقاعدة لازمة لكل رؤيا فيها ثوب أو قميص
المثال الثاني:اللبن يعبر بالفطرة
المثال الثالث:البقر يعبر بأهل الخير لكثرة خير البقرة وما يستفاد منها
المثال الرابع:الخشب يعبر بالمنافقين
أما طريقة ابن سيرين رحمه الله فهي التي يعتمد فيها المعبر على ما ورد في الكتاب والسنة والشعر العربي.. فمثلا يعبر البيض في المنام بالنساء لأن الله تعالى يقول:
(كأنهن بيض مكنون)
والحجارة بقسوة القلب لقول الله تعالى :
(ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة)
وغير ذلك من الأمثلة التي سنعرض لها مستقبلا إن شاء الله..
ولكن قبل أن أسترسل..ينبغي أن أؤكد وأنبه لبعض الأمور..
كتاب أبن سيرين .. من أشهر كتب التراث في تفسير الاحلام
1-أول أمر أنبه عليه في هذا الموضوع هو ما ينتشر هذه الأيام في أيدي الناس من الكتب التي تدعي أنها تشتمل على تفسير للأحلام وخاصة ما ينسب منها لعلماء من علماء السلف..
مثل كتاب (التفسير الكبير) لابن سيرين فهذا كتاب مكذوب على ابن سيرين رحمه الله..فلم يذكر عنه أنه ألف كتابا في التفسير..
وفي هذه المناسبة فقط أقول إن ابن سيرين رحمه الله ثبت عنه أنه كان راويا للحديث..ولكنه لم يكن يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يرويه مجرد رواية بلسانه..فكيف يتوقع منه أن يهمل كتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتفرغ لكتابة تفسير للأحلام؟!..
وأغلب الظن عندي أنه كتاب قد جمعه تلاميذه عنه..ولكنه أبدا لم يخطه بيديه..
والكارثة في بعض الكتب التي نطالع فيها تفسيرا لكل شيء حسب حروف الهجاء!!
ككتاب (تعطير الأنام في تعبير المنام) لعبد الغني النابلسي
2-الرؤى ليست لها قواعد ثابتة بل تختلف حسب الرائي وحسب الزمان وحسب المكان..بل حتى باختلاف الشخص الواحد فيختلف تعبير الرؤيا حسب حاله وحسب ظروفه المحيطة به..

لقراءة باقى الموضوع بالكامل ادخل على الموقع الجديد لحياة غامضة من هنا 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

عبر عن رايك وشاركنا بيه رايك يهمنا ..
ولكن الرجاء الألتزام بأدب الحوار والابتعاد عن المشاحنات وعدم التطرق الى الامور التي تثير الكراهية